طبيب لبناني يحصد جائزة أفضل بحث في طب العيون منافساً دولاً أوروبية
بعد 3 سنوات من العمل الدؤوب والتجارب المتواصلة، وبعد الانتقال من التجارب المخبرية إلى العيادية، نجح ابن بلدة مشمش (عكار)، الدكتور عمر سعود في ترجمة أفكاره إلى ابتكار طبيّ جديد سيحدث ثورة في عالم الطب.
من لبنان، حمل أحلامه وسافر بها، يحدوه أمل بأن لا شيء مستحيل، وبأنّ الحلم سيتحقق بالمثابرة والسعي. كان شغوفاً بعمله ومتفانياً، وفي جعبته ما اكتسبه من خبرات ومهارات طوال سنوات دراسته. ثم بدأت فكرة تراوده بعد معاينة لعدد من المرضى، الذين يعانون من مضاعفات علاج انفصال شبكيّة العين، فبدأ التحديّ.
من بلد يتخبّط بأزماته السياسية والاقتصادية، حزم سعود أمتعته، بل أشرعته باتجاه أوروبا، سيراً على خطى مَن سبقه، ليرفع اسم لبنان عالياً، وتحديداً في المؤتمر الأوروبي الثالث والعشرين لأبحاث الرؤية والعيون، الذي عُقد في إسبانيا. ومن بين مئات البحوث لباحثين من مختلف الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقيّة، حصد ابن بلدة مشمش جائزة أفضل بحث قُدّم في المؤتمر.
هي جائزة تستحق التوقف عندها، لأنها تبثّ الأمل بالرّغم من السواد القاتم، والوباء السياسيّ والصحيّ المتربّص بالبلد.
يتحدّث الدكتور عمر سعود لـ”النهار” عن البحث قائلاً “إن الفكرة تُختصر بالطريقة الجديدة لعلاج انفصال شبكيّة العين عبر عمل جراحيّ مبتكر. والمعروف والمتداول في انفصال الشبكيّة في الوقت الحالي أن العلاج يقوم على تفريغ الجسم الزجاجيّ من العين (vitreous body)، وتوجيه ليزر معيّن على الشبكة حتى يتمّ إلصاقها بمكانها. ومن بعد ذلك، تتمّ تعبئة العين بالسيلكون، أو بغاز معيّن، بغية تثبيت الشبكيّة في مكانها”.
إلا أن هذه الطريقة وفق سعود “تحمل أحياناً مضاعفات عند بعض المرضى مثل ارتفاع ضغط العين بسبب السيلكون، أو المياه البيضاء، أي تعتيم عدسة العين (cataract) نتيجة الغاز؛ وقد تُسبّب التهاباً كلياً في العين، لأن الجراح يدخل إلى داخل العين، فيتطلّب تماثل الشبكيّة للشفاء أسبوعين إلى أن يتمّ الالتصاق، لأن نتيجة الليزر لا تأتي مباشرة وإنما بعد أسبوعين”.
وعادة يعود انفصال الشبكيّة إلى أسباب عديدة، أهمّها إصابة قويّة في العين، أو تقدّم في العمر، حيث يُصبح السائل في داخل العين، وهو أشبه ما يكون بمادة هلامية (gel)، أكثر سيولة وشبيها بالمياه، ممّا يؤدّي إلى شدّ الشبكيّة وانفصالها. ويعاني كثيرون من انفصال الشبكيّة، وأحياناً تكون نسبة المضاعفات بعد العمليّة مرتفعة نتيجة حقن العين بموادّ كيميائيّة.
وعليه، فالبحث الذي أنجزه سعود يتلخّص بمعالجة العين من الخارج، وفق ما يشرح “من خلال الدخول إلى الطبقة الثانية من العين، واستخدام تردّد كهربائيّ ذي دقّة عالية (high frequency electric current welding) لإلصاق الشبكية في مكانها، بالتزامن مع العملية الجراحية؛ زذلك من دون استخدام أيّ موادّ في داخل العين مثل السيلكون أو الغاز، بالإضافة إلى أن المريض لم يعد بحاجة إلى الانتظار أسبوعين لتحقيق التصاق الشبكية”.
وأهمية البحث أنه “يُجنب المريض كلّ المضاعفات بعد جراحة، وقد تمّ عرضه في المؤتمر الثالث والعشرين لأبحاث الرؤية والعين، الذي انقعد بعد عامين من الانقطاع نتيجة جائحة كورونا”.
يصف سعود المناسبة فيقول “الجائزة كانت مفاجأة لي. صحيح أنّي كنت على يقين من أن بحثي يقدّم ابتكاراً جديداً، لكنّني لم أتوقّع أن أحصد أفضل بحث، وأن أنافس باحثين من كلّ الدول. لقد كانت فكرة البحث بدايةً ترتكز على العمليّات الجراحيّة لشبكيّة العين التي تتطلّب من الجراح الدخول إلى داخل العين لمعالجتها، وهذا ما دفعني مع أستاذي الذي كنت أعمل معه للبحث عن طريقة لإجراء الجراحة من دون الدخول إلى العين، مع تحقيق نتيجة أفضل”.
ويضيف “المحاولة كانت في التجارب المخبرية على الحيوانات، وجاءت بنتائج واعدة وممتازة، قبل أن ننتقل من بعدها إلى المرضى بعد موافقتهم. وبعد تجارب عديدة، حصلنا على نتيجة جيّدة لمعالجة انفصال شبكية العين بطريقة مبتكرة ومن دون مضاعفات”.
ويختم سعود برسالة أمل للّبنانيين بالقول “يترك اللبناني أينما ذهب بصمته المتميّزة، فلدينا الكثير من الطاقات والمواهب والإمكانيات، وعلى الشّخص أن يبقى متمسكاً بحلمه وأمله، وبأن لا شيء مستحيل. فالبحث الذي قدّمته استغرق منّي ساعات، وتعباً، وجهداً كبيراً؛ ولقد قطفت ثمار هذا النجاح بأن أقف مع باحثين كبار وأحصد الجائزة”.
المصدر: جريدة النهار